كشفت ليالي الطرب الأصيل التي عاشتها القاهرة خلال مهرجان الموسيقى العربية الأخير، حجم الأزمة التي تعاني منها الأغنية العربية وحجم التردي الذي وصلت إليه، فالأصوات الجميلة موجودة والأغنيات التي تعرف طريقها بسلاسة إلى وجداننا كثيرة، لماذا إذاً تحاصرنا الأغنيات الرديئة وكيف يمكن أن نعيد إلى الأغنية مجدها وتألقها؟
كعادته، يفتح الموسيقار حلمى بكر النار على نجوم المشهد الغنائي مشيراً إلى أن الأزمة بدأت في أعقاب نكسة 1967 وما تبعها من هزات إجتماعية وسياسية، كان لها دور مهم في انتشار الألحان والأغاني العربية الهابطة، بالإضافة إلى ابتعاد الملحنين عن تلحين القصائد الشعرية، فحُرم الجمهور من الأعمال الغنائية الخالدة على غرار تلك التي لحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب والسنباطي وغيرهما.
يكمن الحل، في رأي بكر، في إبعاد أرباع المؤلفين والملحنين والمطربين وشركات الإنتاج، التي لا يهمها سوى الربح المادي، عن الساحة الفنية، كذلك الحيلولة دون ظهور نجوم الأغنية الهابطة الذين يتحججون أنهم يقدمون الأغنية الشعبية وهي منهم براء. يلقي على الإعلام مسؤولية الترويج لهؤلاء ولمجمل الأغنيات الهابطة، فيما تنحسر الأضواء عن نجوم الطرب الأصيل الذين لم تعد لهم مكانة على الخريطة الفنية.
توازن
من جهته يوضح الموسيقار الكويتي د. خالد القلاف أن تخطي الأزمة والنهوض بالأغنية العربية، يكونان عن طريق تبني الأجهزة المعنية للمواهب الحقيقية ورعايتها ودعمها والتصدي للغناء الهابط ونجومه، ما يشكل توازناً بين حجم المنتج من الأغنيات الهابطة والأغنيات الجادة الراقية.
يؤكد القلاف أهمية قيام الدولة وأجهزتها بدورها، حتى لا يتفاقم هذا الخلل الذي بات يشكل خطراً على الهوية الموسيقية ومستقبل الأغنية العربية، التي تفتقر إلى رعاية الحكومات والأنظمة العربية لها.
تنظر الفنانة عفاف راضي إلى الموضوع بتشاؤم لأن التردي الذي يحدث على الساحة لا يمكن إيقافه أو إلغاؤه، لذلك تطالب بضرورة زيادة مساحة الطرب الأصيل عبر وسائل الإعلام بمختلف قنواتها لإستعادة المتلقي وحمايته من هذا الإسفاف الذي يحاصره.
الإعلام هو السبب
يحمّل المطرب إيمان البحر درويش الإعلام مسؤولية الإنحطاط في الفن. يؤكد أنه ما زال يتمسك وأبناء جيله بتقديم فن راقٍ يعيش في الوجدان، إلا أنهم يعجزون عن التصدي للإسفاف السائد اليوم بمفردهم، لعدم وجود قنوات تروج الفن الجاد، يقول: « يحاصر الإعلام الفن الذي نقدمه ويطمسه تماماً لصالح الأغنيات الأخرى، التي تفتح لها كل الأبواب والقنوات».
كذلك ينتقد درويش المسابقات التي تمنح جوائزها للمطرب الأكثر انتشاراً، «أو في حقيقة الأمر تشتريها الشركات المنتجة لمطربيها بحجة أن ألبوماتهم الأكثر انتشاراً، وهي حقيقة تفتقر إلى الدليل الحسي، بذلك يكون التقييم بعيداً عن الكلمات الراقية والألحان المتميزة».
يتساءل: «لماذا لا تنظم الجهات المسؤولة المباريات لمناصرة الغناء الجاد ورعايته ودعمه سواء الموجود على الساحة أو عبر تبني المواهب الجديدة؟»
في المقابل نجح الفنان محمد منير في الحفاظ على مكانته ومتابعة تقديمه الفن الراقي ومواجهة التردي الموجود بكثرة على الساحة، فاستحق عن جدارة لقب الملك.
يرى منير أن ما يحدث الآن ظاهرة تنتشر في العالم بأسره وليس في مصر فحسب، يؤكد: «إذا قورنت الدول العربية بالدول الغربية سنجدها الأقل استيعاباً للأغاني الهابطة».
يضيف منير: «ما زال لدينا قلة من الفنانين الجادين تصرّ على تقديم كل ما هو أصيل، وأنا أؤمن بقدرتها على محاصرة ما يدور حولنا من رداءة». يشير إلى أهمية زيادة مساحة تقديم الأغنيات الجادة في الحفلات والبرامج الغنائية والقنوات، عملاً بمقولة «العملة الجيدة ستطرد الرديئة حتماً».